السبت، 22 فبراير 2014

الإنقلاب الناعم

بقلم :
الثلاثاء ١٨‎ ديسمبر ٢٠‎١٢13:39:56  مساءاً


فمنذ آلاف السنين ومصر يتوالي عليها أزمات سياسية ، وعلي مر العصور لم تشهد مصر نخباً سياسية فاشلة وسيئة السمعة كهذه النخب ... فلم ترى مصر هذا الزخم من الكذب والتضليل والفجور السياسي كما عرفته عام ٢٠١٢ بعد الميلاد .. لقد درسنا في النشئة وتربينا صغاراً

علي حديث النبي ص ( إن الصدق يهدي إلي البر وإن البر يهدي إلي الجنة .. إلي آخره .. وإن الكذب يهدي إلي الفجور وإن الفجور يهدي إلي النار ... ومازل الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)١

وقد تعلمنا في العلوم السياسية أن لكل نظام موروث .. وموروث نظام مبارك وثلاثين عاماً من حكمه هو موروث ضخم من الفساد والكراهية والإستبداد السياسي والتضليل الإعلامي والترويع الأمني والكذب الممنهج وما هو أكثر من ذلك ... ولماذا لا ؟


أليس هذا الإعلام وهو الذي كان يسبح بحمد مبارك ويقدس آلاءه ليل نهار وهو الذي دأب علي تمرير القرارات وتبرير السياسات حتي اللحظات الأخيرة من تنحيه عن الحكم ؟ .. أليست أجهزة الإعلام في واقعها هي مملوكة لمن تحالفوا مع النظام السابق وذاقوا طعم تجاوزاته وعطاياه من دماء المصريين والتي لا حدود لها سخاءً ورخاءً ؟ وهي اليوم تحارب لتنجوا بما فازت به ؟

أليست هذه النخب الفاشلة هي التي مارست المعارضة الهزلية لتغطي علي جرائم النظام بل ودأبت ليل نهار لتعارض مبارك في العلن وتلعق أقدامه في الخفاء جنوداً وخدماً لأمن الدولة ؟

فليس غريباً أن نجدها تستكمل مسيرتها علي دماء وآلام وجراح وإستقرار المصررين لتحافظ علي بقائها ووجودها في المشهد السياسي مستخدمة كل الأسلحة السياسية البذيئة ،،،مثل أن تلجأ للعسكر تطلب منهم البقاء في السلطة لحين استعدادها لاستلام السلطة منهم أو أن تستقوي بالخارج وتستدعي التدخل الأجنبي بل وتستخدم الأموال الخليجية في تنفيذ مخططات إنقلابها الناعم علي السلطة مستخدمة القضاء وتنقل المعارك السياسية لساحات المحاكم المختلفة ... بل وليس عيباً أن يمارسوا كل أشكال الوقاحة السياسية بكافة أنواعها

من خلال ١- الكذب ٢- والتضليل الإعلامي ٣- وقلب الحقائق ٣- والبلطجة ٤- والحشد الطائفي ٥- والتخويف والترويع من المستقبل السياسي والتطرف الديني إلي آخره

لقد احتشدوا بكافة أطيافهم وراء فوز المرشح الذي سيعيد إليهم اعتبارهم من جديد وهو ينتمي إليهم وهم ينتمون إليه ... بل واستخدموا كافة آليات أجهزة الدولة العميقة التي تحارب ليل نهار من أجل بقاء الوضع علي ما هو عليه ... من سلب ونهب لمقدرات الدولة والمال العام ،،،كما أن أركان الدولة المصرية بكافة قطاعاتها نشأت علي قواعد كره دفين بل رفض قاطع لفكر الإخوان علي مدار ستون عاماً وأياً ما يتعلق بالدين .. فوزارة الداخلية وكثير من قيادات الجيش المصري بل والمخابرات العامة ولفيف من القضاة والساسة إنحازوا بقوة إلي مرشح النظام السابق والتفوا حوله ... وتنفس الإعلاميون الصعداء وهرولوا خلفه وصرفوا الملايين علي الحملة الإنتخابية من أجل الخروج من طاحونة الثورة المصرية ببارقة أمل تعود بهم من جديد علي الساحة السياسية ...
وحين خسر مرشحهم وفاز مرشح الحرية والعدالة أو مرشح الإخوان ظلت نتيجة الإنتخابات حبيسة الأدراج دون موعد محدد لإعلانها واتخاذ القرار النهائي بشأنها إلا بعد طرح الحل البديل ... إذا كان ولا بد من إعلان فوز مرشح الإخوان ...
فلا يمكن أن تكون لهم أغلبية في البرلمان في نفس التوقيت ... فإذا بجنح من الليل البهيم يطلعون علينا بإفتكاسة حل البرلمان في سابقة لم تعهدها دساتير العالم أجمع ومن ورائها الإعلان الدستوري المكبل الذي نزل علي القوى الليبرالية واليسارية كالماء البارد ليحل منطق مريب ومفزع في دولة وليدة تبحث عن التجربة الديمقراطية الرشيدة ... منطق ( سيب وأنا أسيب ) ... وأنه لا يحق لك من خلال صندوق الإقتراع النظيف بأن تجمع بين سلطتين وكأنك تجمع بين زوجتين

وبعد إنتهاء مرحلة الإنقلاب الأول علي شرعية الصندوق في قرارات إرتجالية من المحكمة الدستورية العليا هرول جميع السياسيين للإختباء وراء شرعنة قراراتها .. بل وهرول الإعلام المصري بكل أطيافه ليعزف لنا سيمفونية عزف جماعي ومنفرد لتصرخ بجميع المصريين ألا أيها المصريون جميعاً ...

 إسمعوا واعوا ... يجب عليكم طوعاً أو كرها إحترام قرارات وليس أحكام الدستورية العليا الحاكم بأمرة علي رقابكم جميعاً ... شاء من شاء وأبى من أبى ... فتقدست أسماء وتباركت آلاء المحكمة الدستورية .. فمن جحد قضاتها فهو كافر .. ومن تجرأ علي ذكرها بسوء فهو فاجر .. حتي ولو جثمت علي رقاب المصريين جميعاً .. لتعلوا كآلهة فوق السلطات وتصبح الحاكم بأمره ولها صفات قدسية إستمدتها من صفات الله تعالي ...

فهي لا تسأل عما تفعل وهم يسئلون .. ولا معقب لأحكامها ولا راد لقضائها .. تجتمع وقتما تشاء لتحل المؤسسات الدستورية المنتخبة بل وتتغول علي جميع السلطات مجتمعة ..  فتحل البرلمان وتطلق الرجل من زوجته إن شاءت .. ولا تسئلوا عن الإختصاص أو شرعية الصندوق أو الإرادة الشعبية ،،، فالإرادة الدستورية للمحكمة لها صفات الكمال .. وهي معصومة عصمة خاتم النبيين والمرسلين .. وفي سابقة خطيرة شذت فيه المحكمة عن المنوط بها في اختصاصاتها وما خوله لها القانون الدستوري وما تعارفت به أجيال وراء أجيال منذ لحظة نشأتها.. فتغولت علي السلطة التنفيذية لتنعقد خلال ساعات معدودة لتتحدى قرار الرئاسة بعودة البرلمان المنتخب ،،،

 وهنا تدخل مصر في غيبوبة صراع بغيض تبدل من شرعية المحكمة إلي شرعية الرئيس
ليقود القضاء المصري معركة المواجهة مع مؤسسة الرئاسة في الوقت الذي كان الشعب ينتظر فيه الحصاد ؟ حصاد ما يزيد عن العشرين عشر شهراً من المعاناة الإقتصادية والإجتماعية
فمن حق هذا الشعب وقد آن الآوان له أن ينال ثمرة جهادة ليتحقق له مستقبل أفضل يسعى إليه ويحلم به .
والحقيقة هنا أنه حينما استشعرت مؤسسة الرئاسة بوجود إنقلاب ناعم عليها من دار القضاء العالي والمحكمة الدستورية العليا من كافة التصرفات والتصريحات علي مدار عشرون شهراً لاحقين للثورة المصرية

بل ولاحظنا جميعاً كشعب واعي ومدرك لطبيعة المرحلة بكافة أطيافة وقواه المدنية والثورية أن أركان الدولة العميقة التي كانت تحتمي بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة بعد ضياع فرصتهم بخسارة الفريق شفيق وسفره إلي دبي هارباً من المطالبة الجنائية

فلم تجد بداً أو ملاذا إلا دار القضاء العالي ونادي القضاة .. لتحتمى به .. ولم لا ؟ وهي تملك جميع أدوات القوة

١ - المال الوفير
 ٢ - الإعلام 
  ٣ - المراكز المرموقة في أنحاء الدولة 
 ٤ - مخاوف الكنيسة المصرية من حكم أحد قيادات الإخوان
 ٥ - مرشحي الرئاسة وقيادة دول الخليج العربي الذين فقدوا الأمل في كسر إرادة الرئاسة وخاصة
 - بعد إعادة هيكلة الجيش المصري العظيم وتجديد دماءه وإقالة رئيس المخابرات
- النجاح الباهر الذي حققته القيادة المصرية في إدارة العدوان الغاشم علي قطاع غزة
- ثقة المجتمع الدولي في القيادة المصرية والتواصل معها وخاصة من الجانب الإسرائيلي
- ثقة صندوق النقد الدولي في الخطوات المصرية للإصلاح الإقتصادي وموافقته المبدئية
- بداية عودة مصر لدورها الإقليمي والدولي مع قدرتها علي توفير تدفقات مالية دولية
- يومياً محاكمات ومنع من السفر وترقب علي قوائم الوصول والتحفظ علي الأموال والممتلكات
ومن هنا بدا وللكافة حجم الخطر الداهم من نجاح الإخوان في السيطرة علي مفاصل الدولة العميقة والمنيعة .. إنها كالحصون المفخخة التي فخخت نفسها بالشرعية الفوضوية 

لقد آلوا علي البلاد من أن تتنفس عبير الحرية وعبق الممارسة الديمقراطية .. وأرادوا ما يلي :

أولا : إسقاط كل المؤسسات الدستورية المنتخبة بإرادة شعبية ليسقطوا هذه الإرادة

ثانياً : إفشال التجربة الديمقراطية من الأساس لكي يلعنها الناس ويكفروا بها تماماً

ثالثاً : التشكيك في كل قرارات الرئاسة للتراجع عنها لإظهار مؤسسة الرئاسة ضعيفة

رابعاً : إنهاك وتعطيل الجهات الرقابية عن العمل واتخاذ اللاذم مع رموز فساد النظام السابق

وأصبحنا نتنفس حوارات ودعاوى أخونة الدولة - حكم المرشد - فساد الإخوان - أهلي وعشيرتي - سقوط الشرعية - تهجم علي الرئيس بالسب والقذف العلني وإمتهان مكان ومكانة الرئاسة - تسريب كم لا مثيل له في تاريخ الحضارات الإغريقية والفينيقية والهولوكوستية من الإشاعات والأكاذيب والإفتراءات علي مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمقروؤة والمرأية - محاولة إستعادة مشهد الثورة المصرية علي قيادة منتخبة - رفض الحوار والتعالي علي مؤسسة الرئاسة مع تصوير الرئيس بأنه فرعون جديد ومستبد ومتعالي

لقد تهاوت كل مفاهيم إستقلال القضاء المصري مع دخولهم المعترك السياسي

لقد دفنت كل مبادئ ميثاق الشرف الصحفي وضمير المهنة بكم الأكاذيب والإفتراءات المنشورة

لقد استدعتني كلمات عمارة يعقوبيان ... لقد أصبحنا في زمن المسخ وياللعجب من دولة تريد 

فلقد جاد لنا الزمان باليوم الذي نرى فيه مؤسسة الرئاسة تلهث لعودة مجلس الشعب والنخبة ترفض ،،، تلهث لإقرار الدستور من خلال استفتاء شعبي وجمعية تأسيسية منتخبة ومتوافق عليها والنخبة ترفض ،،، إرادة الشعب تدهس تحت الأقدام ويحل محلها فوضى الإعتداء والقتل للأبرياء واقتحام مقرات الأحزاب دون أي إدانة أو تعليق من النخبة ؟ عن أي نخبة تتحدثون ؟؟؟؟؟

لقد طالعتنا نتائج الإستفتاء بأن شعب مصر هو النخبة ...... تحية خالصة لشعبنا العظيم بدستوره الخالد

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق